سوريا
العدد ٢٢٢٥ الثلاثاء ١٨ شباط ٢٠١٤
الكليات الواقعة في تدمر لها حساسيتها، بسبب حراجة الوضع الأمني على الطريق إلى المدينة
لا تُقاس إنجازات جامعة البعث في حمص، بما حققه طلّابها ومدرّسوها من إنجازات علمية، أو بما يُثار حولها من قضايا فساد إداري وتدريسي، إذ إن الجامعة الشهيرة حقّقت ما عجزت عنه أي جامعة سورية أُخرى في ظل دورها الهام كصمّام أمان اجتماعي ضمن مدينة تقع على خط فالق كاد يهدم أحياء المدينة كلها
مرح ماشي
حمص | جامعة الطلاب الثمانين ألفاً، في عصر ما قبل الأزمة، أضحت تضم 120 ألف طالب من جميع أنحاء البلاد. من كان يظن أن أحداث حمص الأليمة ستجعل من جامعتها منارة علمية لا تتوقف في أيام الحرب، كما في أيام السلم!. عدة أسابيع توقفت فيها الجامعة عن العمل، بسبب انقطاع طلابها عن الحضور، إثر إغلاق الطرق بين منطقة وأُخرى.
أيام الاشتعال القاسية التي عاشتها جميع أحياء حمص، جعلت من الجامعة المتاخمة لحي بابا عمرو الشهير، منطقة يصعب الوصول إليها من قبل عامليها وطلابها على السواء، فيما حافظ الإداريون على الحضور رغم الظروف الأمنية العصيبة. احتدام المعارك مجدداً في بابا عمرو لم يكن سبباً لانقطاع جديد، بل على العكس، أصبحت الأحداث جزءاً من يوميات الطلاب الذين راحوا يتمشّون بين الكليات كأن شيئاً لم يقع.
10 آلاف طالب إضافي «أهم ما في الأمر ألا تحصل أية إصابة لأحد من أبنائنا الطلاب. الخسارات المادية أقل قيمة» هذا ما قاله رئيس الجامعة أحمد مفيد صبح حول ما عانته الجامعة من نكسات. يطل مكتب رئيس الجامعة على حي بابا عمرو. يستعرض الرجل القذيفة التي أصابت مكتبه خلال الأحداث الأمنية المستمرة، من دون أن تؤدي الى تغيير موقع مكتبه أو أيام دوامه.
كلّ ما يهمه، على حد قوله، استمرار العمليتين التدريسية والامتحانية، وعدم انقطاع دوام الموظفين. إحدى النقاط المؤثرة التي تؤشر الى نجاح عمل الجامعة، بالنسبة لصبح، أن أعداد الطلاب في تزايد، حيث «احتضنت الجامعة 10 آلاف طالب إضافي من جامعات المناطق الساخنة كجامعة الفرات وحلب وإدلب، ما أدى إلى التعويض عن فقدان دور هذه الجامعات بتنفيذ الإجراءات اللازمة لمصلحة الطلّاب وكأنهم في جامعتهم».
ويتابع رئيس الجامعة قوله: «تمارس جامعة البعث دورها كمنبر حضاري وثقافي مهمته نشر الفكر والمعرفة، وتحضير الكوادر اللازمة لبناء الوطن». وحسب تعبير صبح، فإن الجامعة أصبحت «شريان الحياة في حمص، بكسرها الحواجز بين الناس لتحقيق أفضل تواصل اجتماعي، من خلال احتضانها لدوام موظفي 23 من مؤسسات الدولة التي توقفت عن العمل بسبب مواقعها ضمن الأحياء الساخنة».
الأزمات «تفرّخ» كلّيات
تتألف جامعة حمص من ثلاثين كلية موزعة بين مدينتي حمص وحماه. يبلغ عدد طلاب كلية الآداب في حمص 35 ألف طالب، فيما يفوق عدد طلاب كلية الحقوق 12 ألفاً. أما الكليات العلمية فلا ينقص عدد طلاب كل منها على 6 آلاف طالب.
تفخر جامعة حمص بكلياتها النوعية، ومثالها كلية البيتروكيميا، التي تعتبر الوحيدة المعنيّة بهذا الاختصاص طيلة 40 عاماً. وتشاركها هذه الميزة كلية الطب البيطري. وبسبب موقع الجامعة المتوسط للأراضي السورية، فقد أنشئت فيها كليات لها أهميتها ككليتي الموسيقى والتمريض.
قرب الجامعة إلى المصادر المائية ساعد أيضاً في تأسيس كليات تُعنى بشأن الثروات المائية. الكليات الموجودة في حماه تشكّل، بدورها، نواة جيدة لجامعة مستقلة في المستقبل. تشتهر كلية العلوم التطبيقية في حماه، والتابعة لجامعة البعث، بتزويدها الطلاب بالشهادات الفنية والمهنية والعلمية، فيما تم افتتاح كلية الطب الثانية خلال العام الفائت، حين كان العنف يبلغ أوجه في كل من حمص وحماه. كما تضم الجامعة كليتي الزراعة والعمارة الثانية، التي تم افتتاحها خلال فترة الأحداث الأمنية التي تشهدها البلاد، في مدينة السلمية التي تبعد عن حماه مسافة 35 كلم.
الكليات الواقعة في تدمر لها حساسيتها، بسبب حراجة الوضع الأمني على الطريق إلى المدينة التي تبعد 160 كلم عن وسط مدينة حمص. تخرج كل أسبوع عدة باصات تنقل موظفين وتأتي بالبريد من المدينة الصحراوية، بالإضافة إلى نقل المدرّسين العاملين في كليات المدينة.
لا يختلف التواصل مع داخل مدينة تدمر عن آلية التواصل مع كليات المناطق الساخنة الأُخرى، من حيث إصرار الجامعة على الالتزام بالدوام، حتى خلال الأيام المشتعلة، بتعويضه بالالتحاق بالدوام داخل جامعة البعث وسط حمص، وهو حلّ ضمن استراتيجيات الجامعة، والسلطة السورية عموماً. وعلى الرغم من قلة أعداد الطلاب في كليات تدمر بالمقارنة مع المركز، إنما لا يمكن الاستهانة بدور كليتي العلوم والتربية الثالثة، اللتين لم تخرجا عن برنامج الجامعة التدريسي. يذكر سعيد، طالب من تدمر، أن «إرادة العلم والحياة غلبت لدى الطلاب لمتابعة الطريق من أجل الوصول إلى الإجازة الجامعية رغم اليأس المستشري في نفوس الناس داخل البلاد»، شاكراً الجامعة والقيمين عليها على «قبولهم التحدي واستمرارهم في الصمود رغم الأوضاع الصعبة». ويعتبر الشاب أن «حمص كانت لتسقط اجتماعياً وأمنياً لولا قدرة الجامعة على العوم وسط مستنقع العنف القائم».
«تخريج الطلاب وليس قتلهم»
سنة ونصف استقطبت المدينة الجامعية في حمص المهجّرين من أبناء المناطق الساخنة المغلقة الذين خرجوا هرباً من الحرب، واستقبلت الطلاب والعاملين ضمن سكن الجامعة الداخلي. وبينما عانت بقية الجامعات السورية، حتى في المدن التي تعتبر آمنة، من بعض الحوادث الأمنية أو التظاهرات المتفرقة، بقيت جامعة البعث قائمة وسط محيط ساخن من المناطق المشتعلة بمنأى عن أي انطلاق لأي حدث سياسي مؤثر في عمر «الثورة السورية». الإصابات ضمن الحرم الجامعي تبدو نادرة، رغم إرسال بعض «الهدايا» النارية المتمثلة بقذائف الهاون المستهدفة رؤوس طلاب العلم. ويعتبر أبرز ما تعرضت له الجامعة من ضغوط خارج الحرم الجامعي اغتيال 6 من أعضاء الجهاز التدريسي والمتعاقدين للتدريس في الكليات المتعددة خارج الحرم الجامعي. وفي حين يُختلَف على دور «الاتحاد الوطني لطلبة سوريا» خلال أحداث حمص الأمنية، يعتبر الاتحاد عماد عمليات الأمن الذاتي التي تتبعها الجامعة كإجراءات بسيطة لحماية أرضها من أية اعتداءات، من خلال تفتيش السيارات الداخلة بدقّة، ومنع معظمها من الدخول، أساساً، خشية أية تفجيرات محتملة. ينتقد عادل، طالب جامعي، اعتقال عدد من طلاب الجامعة الذين قضوا تحت التعذيب في الفروع الأمنية. ويؤكد الشاب أن الفساد ينخر جسم الجهاز التدريسي في جامعة حمص، ككل جامعات سوريا، إلا أن حراجة الأوضاع في المدينة تشكّل تعتيماً إعلامياً مفيداً للفاسدين فيها. نقطة محرجة استلزمت رداً من رئيس الجامعة الذي شكر الجهات الأمنية التي «لا تقصّر في حماية الجامعة بالتعاون مع الاتحاد الوطني لطلبة سوريا، الذين جاء دورهم مكمّلاً للعاملين والموظفين وتواصل العاملين وتواجد الإدارة الدائم». لا معلومات لدى صبح عن اعتقال القوى الأمنية طلاباً من داخل الحرم الجامعي، مؤكداً أن لا شكوى قُدّمت له عن مثل هذه الممارسات. يستفهم من رئيسة مكتبه الصحافي متأكداً من الأمر، فتردّ بالنفي أيضاً. يتشجع أكثر ويصرّح بقوله حرفياً: «نحن منبر حضاري وثقافي. مهمتنا تخريج الكوادر وليس قتلها».
ويتابع: «الجهات الأمنية هي المعنية بالرد على هذه النقطة، إنما حصول مثل هذه الحوادث تحت أعيننا أمر مستحيل». يشدّد الرجل على أهمية التحقيق مع أي مواطن مشتبه به، من دون إساءة للمطلوبين، باعتبار التحقيق ضرورة للأمن القومي والوطني، لا سيّما في ضوء عدم تعرض جامعة البعث خلال سنتين ونصف لأية أزمة. وفي معرض رده على سؤال «الأخبار»، يعود للتأكيد أن وصول أي شكوى عن اعتقال طالب داخل الحرم الجامعي يُلزم إدارة الجامعة بمتابعة ملفّه باعتبارها مسؤولة عنه، أما أي حادث خارج أراضي الجامعة فهو ليس ضمن اختصاصها.
رئيس جامعة حمص الناشط فايسبوكياً يتابع ما يكتبه الناس عن جامعته ويناقشهم في انتقاداتهم، مفتخراً بأن جامعة تحصل على أعلى أرقام المفاضلات لا يمكن التأثير على مكانتها العلمية من خلال أية أقاويل.