تُواصل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في سوريا تنفيذ خطتها الطموحة للتحول الرقمي الشامل، ساعيةً إلى تحديث منظومة التعليم العالي، وموظِّفة التكنولوجيا الحديثة لإعادة صياغة الإدارة الجامعية وتقديم الخدمات الأكاديمية والإدارية بجودة عالية، إذ تهدف هذه الخطة -التي تنسجم مع التوجهات الوطنية للإصلاح- إلى تعزيز الشفافية، ورفع كفاءة الأداء، وتحسين جودة العملية التعليمية برمتها.
رؤية استراتيجية نحو تعليم عصري
وأطلقت الوزارة عملية التحول الرقمي ضمن رؤية استراتيجية تقوم على إحداث تغييرات جوهرية في آليات العمل وأساليب الإدارة الجامعية، مؤكدة أن الرقمنة ليست مجرد استخدام للتكنولوجيا، بل هي انتقال كامل نحو نمط جديد من التفكير والإدارة، فقد شدد الدكتور مروان الحلبي، وزير التعليم العالي، في تصريح له على أن "التحول الرقمي لم يعد خياراً بل أصبح ضرورة وطنية"، موضحاً أن الوزارة تتبع خطة مدروسة تشمل البنية التحتية والأنظمة الذكية، والخدمات الإلكترونية التي تستجيب لاحتياجات الطلاب والأساتذة والإدارات معاً.
جدول زمني للتنفيذ
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أصدرت تقريراً عن أهم الأعمال المنجزة والتي هي قيد الإنجاز في التحول الرقمي، وشُكلت لجنة للتحول الرقمي برئاسة معاون الوزير الدكتور "محمد سويد"، للمتابعة وتنفيذ الخطط والرؤية.
وانطلقت الوزارة في تنفيذ هذه الرؤية حسب التقرير التوضيحي من خلال مركز تكنولوجيا المعلومات، الذي أُعيد هيكليته، وأصبح نقطة الارتكاز الأساسية لهذا التحول، إذ يضطلع المركز بمهمة تطوير الأنظمة الرقمية، وتوحيد قواعد البيانات الجامعية، والإشراف الفني والإداري على تنفيذ كافة المشاريع التقنية.
وحسب لجنة التحول الرقمي المشكلة بقرار وزاري فإن لجان الأتمتة تعمل بكل طاقتها لوضع تلك التطبيقات موضع التنفيذ وفق جدول زمني.
رقمنة المفاضلة الجامعية الموحدة
كانت عمليات المفاضلة الجامعية في السابق تُدار بطرق تقليدية، كثيراً ما شابها التأخير، وارتفعت فيها نسبة الأخطاء، وتعددت فيها الاعتراضات. لكن الوزارة أطلقت أخيراً أنظمة إلكترونية خاصة بالمفاضلة، تشمل:
- مفاضلة القبول الجامعي العام.
- مفاضلات الدراسات العليا والاختصاصات الطبية.
ما أسهم في تسريع الإجراءات، وتوفير بيئة أكثر شفافية ودقة. وقد استفاد آلاف الطلبة هذا العام من خدمة المفاضلة المؤتمتة للدراسات العليا، والتي أتاحت لهم التقديم عن بُعد، ومتابعة نتائجهم بطريقة فورية، دون الحاجة لمراجعة المراكز يدوياً.
كما اعلنت الوزارة أنها بصدد إصدار المفاضلة العامة الموحدة لجميع المفاضلات في سوريا لجميع الطلاب في الداخل والخارج بحيث يتقدم الطالب إليها من اي مكان دون الحاجة إلى مراجعة المراكز في الجامعات.
تطبيقات ذكية لإدارة الحياة الأكاديمية
وتوازياً مع ذلك، عملت الوزارة على تطوير مجموعة من التطبيقات الذكية التي تعنى بإدارة الحياة الأكاديمية والخدمات اليومية في الجامعات السورية. ومن أبرز هذه التطبيقات "تطبيق الطالب"، الذي بلغ إنجازه 70%، ويتيح للطالب متابعة وضعه الأكاديمي، وسجل درجاته، وحالة تسجيله، واستحقاقاته المالية والإدارية، وكل ذلك من هاتفه المحمول، مما يوفر الجهد والوقت على الطالب عوضاً عن الذهاب إلى عدة مكاتب للحصول على وثيقة أو بيان درجات، وقضاء ساعات في الانتظار.
وتعمل الوزارة حالياً "تطبيق المحاضر"، بنسبة إنجاز بلغت 40%، وهو تطبيق يمكن أعضاء الهيئة التدريسية من الاطلاع على جداول المحاضرات، وتحميل المواد الدراسية، وتسجيل العلامات، ومتابعة التفاعل مع الطلاب بطريقة مرنة وموثوقة، ويُعتبر هذا التطبيق أداة أساسية لتوفير بيئة تدريسية حديثة تعتمد على السرعة والدقة في تبادل المعلومات.
تطبيق السكن الجامعي
وتتابع الوزارة تطوير "تطبيق السكن الجامعي"، بنسبة إنجاز وصلت إلى 50%، لتسهيل تقديم طلبات السكن، وتوزيع الغرف، دون الحاجة لإجراءات ورقية معقدة، وهو ما يحلّ مشكلة كانت تؤرّق آلاف الطلاب سنوياً، في ظل ازدحام المراكز ومحدودية الموارد.
ويضاف إلى ذلك تطبيق "نسيج" للتعليم الطبي المستمر، الذي بلغ إنجازه 90%، ويخدم الأطباء والعاملين في المجال الطبي، من خلال توفير محتوى تدريبي تفاعلي ودورات تخصصية يمكن الوصول إليها رقمياً في أي وقت، ما يسهم في رفع كفاءة الكوادر الصحية دون أن تغادر أماكن عملها.
وأطلقت الوزارة أيضا برنامج "دوام الإداريين" الذي وصل إلى نسبة إنجاز 70%، بهدف مراقبة دوام الكادر الإداري إلكترونياً، وتقليل الهدر في الموارد البشرية، وضمان التزام الموظفين بساعات العمل، دون الحاجة لدفاتر توقيع ورقية، الأمر الذي يوفّر وقت الإدارات، ويضبط الأداء ضمن إطار رقمي صارم.
تنظيم الأنظمة التعليمية والإدارية
ولم تقتصر جهود التحول الرقمي على الجانب الخدمي فقط، بل شملت أيضاً إعادة تنظيم البنية التعليمية، من خلال تطوير النظام الفصلي الإلكتروني، الذي وصلت نسبة إنجازه إلى 90%، ويتيح للطالب والمدرس والإدارة متابعة المسار الأكاديمي لحظة بلحظة، وتنسيق الامتحانات والجداول، ومراقبة الحضور والغياب، ويجري العمل على تطوير نظام الساعات المعتمدة بنسبة إنجاز 20%، إلى جانب نظام خاص بالجامعات الخاصة بنسبة 15%، بما يضمن العدالة والتنظيم لجميع أنواع المؤسسات التعليمية.
بنك أسئلة وطني
ودعماً لجودة التعليم والعدالة في التقييم، أنشأت الوزارة بنك الأسئلة الوطني، مع نظام امتحاني إلكتروني بالكامل، يسمح بتوليد اختبارات وفق معايير موحدة وآلية، ويحد من التكرار والتلاعب، ويضمن موضوعية النتائج، مقارنةً بالأنظمة السابقة التي كانت تعتمد على الأسئلة اليدوية غير المعيارية، ما كان يفتح الباب لاجتهادات شخصية وأخطاء تقييمية.
وفي المجال الإداري، فعّلت الوزارة 'نظام الاستجرار المركزي" لمراقبة المشتريات وضبط الإنفاق، بما يسهم في تعزيز الشفافية، وترشيد استخدام الموارد المالية، والقضاء على حالات الهدر أو الفساد التي كانت تحدث في عمليات الشراء التقليدية.
الخرائط التفاعلية كأداة تخطيط واستثمار
ولتوجيه التخطيط والاستثمار بشكل علمي، تُعد الوزارة حالياً خارطتين تفاعليتين: الأولى للتعليم العالي، والثانية للجامعة الافتراضية، توفران تصوراً بصرياً دقيقاً لتوزع المؤسسات التعليمية على مستوى سوريا، وتتيحان للباحثين والمستثمرين وصناع القرار الاطلاع على الإمكانيات المتاحة، ورصد التوزع السكاني والمؤسساتي، وتحديد مناطق الاحتياج والتوسع.
وتعمل الوزارة بالتوازي على إعادة تصميم الموقع الرسمي لها، بنسبة إنجاز تجاوزت 50%، ليتلاءم مع متطلبات التحول الرقمي، ويصبح بوابة موحدة تقدم المعلومات، والخدمات، والتواصل الفعّال مع المواطنين، بأسلوب بصري حديث وتجربة مستخدم مبسطة.
مركز البيانات الوطني
ومن أبرز ركائز هذا التحول تأسيس وتشغيل مركز البيانات الوطني، الذي يضم أنظمة حوسبة سحابية، وأمن معلومات، وقواعد بيانات جامعية موحدة، تمثل البنية التحتية الرقمية التي تستند إليها كل عمليات الرقمنة، ويحمي البيانات الحساسة من الاختراق أو الفقدان، ويُعد خطوة استراتيجية لضمان أمن المعلومات في قطاع التعليم العالي.
أن التحول الرقمي ليس مجرد مشروع تقني، بل هو إصلاح جذري للمنظومة التعليمية، ينقلها من البيروقراطية الورقية إلى ديناميكية الإدارة الذكية، ويضمن بيئة تعليمية متطورة تستجيب لمتطلبات الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية والمجتمع. |